حكم جلد الخنزير في الشريعة الإسلامية
من النوازل التي ألمت بالمسلمين في هذا العصر، اتخاذ الجلديات من ملابس وحقائب وأحذية من جلد الخنزير، حيث تصنع في دول غير إسلامية، ولهذا الأمر أثره في مدى جواز استعمالها وطهارتها من عدمه.
ولهذا، أردنا إلقاء الضوء على هذه المسألة، لملامستها شؤون المرأة والزينة بشكل عام.
وقد نُقلت المسألة من:
- رسالة (أحكام غير مأكول اللحم من الحيوان في الفقه الإسلامي).
- رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
- إعداد الطالب: سامي بن عبد العزيز الماجد.
- إشراف الأستاذ الدكتور الوليد بن عبد الرحمن الفريان الأستاذ بن عبد الرحمن الفريان، الأستاذ المشارك بقسم الفقه.
- العام الجامعي 1422هـ.
* * *
المسألة الأولى:
يعتبر الخنزير من الحيوانات التي ورد النص بتحريمه عيناً:
وقد أجمع أهل العلم على تحريم أكل الخنزير، و ممن حكى الإجماع على ذلك ابن حزم(1)، و الرازي(2)، والقرطبي (3).
ومستند الإجماع ظاهر من كتاب الله تعالى، و من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فمن الكتاب: قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة و الدم و لحم الخنزير)(4).
ومن السنة: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه أنه قال : (إن الله حرم الخمر و ثمنها، و حرم الميتة و ثمنها، و حرم الخنزير و ثمنه)(5).
المسألة الثانية:
عن حكم جلد الخنزير إذا دبغ:
اختلف أهل العلم في حكم جلد الخنزير بعد دبغه على قولين:
القول الأول:
أن جلد الخنزير لا يطهر بالدباغ.
و به قال جمهور أهل العلم من الحنفية(6) والمالكية(7) والشافعية(
والحنابلة(9).
القول الثاني:
أن جلد الخنزير يطهر بالدباغ.
و به قال الظاهرية (10)، و أبو يوسف صاحب أبي حنيفة(11).
الأدلة:
أدلة القول الأول:
الدليل الأول(12): أن الخنزير نجس العين، و لحمه و جلده، فلا يطهر بالدباغ، لأن الدباغ إنما يطّهر النجاسة الطارئة دون اللازمة.
الدليل الثاني: أن الدباغ في تطهير الجلد كالحياة في تطهير الحيوان، فإذا كانت الحياة لا تطّهر الخنزير، فكذلك الدباغ لا يقوى على تطهير جلده.
الدليل الثالث(13): أن الجلد جزء الخنزير نجس بالموت، فوجب أن تتأبّد نجاسته، قياساً على اللحم.
دليل القول الثاني:
قوله صلى الله عليه و سلم: (أيما إهاب دبغ فقد طهر)(14).
وجه الاستدلال:
أن عموم الحديث يقتضي طهارة جلد الخنزير إذا دبغ.
و نوقش من أربعة وجوه:
الوجه الأول(15): أن الحديث و إن كان عاماً، إلا أن الخنزير مستثنى من ذلك، و قد أخرجه من العموم كونه نجس العين حياً، فأولى أن يكون كذلك ميتاً، و كذا لحمه و جلده، و الله عز وجل قد فرق بين عموم الميتة و الخنزير فقال سبحانه: {حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ}(16).
قال ابن عبد البر(17): " قوله صلى الله عليه و سلم: "كل إهاب دبغ فقد طهر" قد دخل فيه كل جلد، إلا أن جمهور السلف أجمعوا على أن جلد الخنزير لا يدخل في ذلك".
الوجه الثاني: " يحتمل أن يكون أراد بهذا القول(1
عموم الجلود المعهود الانتفاع بها.
وأما جلد الخنزير فلم يدخل في هذا المعنى، لأنه لم يدخل في السؤال، لأنه غير معهود الانتفاع بجلده، إذ لا تعمل الذكاة فيه"(19).
ويدل لذلك سبب الحديث، و هو شاة ميمونة رضي الله عنها، فلا يلحق بها في الحكم إلا ما كان شبيهاً بها و هو الحيوان المأكول اللحم.
الوجه الثالث(20)(21): أن الإهاب لا يطلق إلا على جلد ما يؤكل لحمه، قاله النضر بن شميل(22)(23).
وأجيب عنه(24): بأن تخصيص الإهاب بجلد مأكول اللحم لا يعرف.
قال ابن عبدالبر(25):"و قد أنكرت طائفة من أهل العلم قول النضر بن شميل هذا، وزعمت أن العرب تسمي كل جلد إهابا، واحتجت بقول عنترة:
فشككت بالرمح الطويل إهابه ليس الكريم على القنا بمحرم(26)"
ويدل لذلك كذلك قول عائشة رضي الله عنها حين وصف أباها رضي الله عنه: (وحقن الدماء في أهبها). تعني بذلك الناس(27).
الوجه الرابع(2
: أن قوله صلى الله عليه و سلم: "فقد طهر" محمول على الطهارة اللغوية، أي فقد نظُف من الرطوبات المفسدة و الدم و غيره من النجاسات العالقة به.
و يجاب عنه: بأن حمل الطهارة في الحديث على الطهارة اللغوية أمر ينبغي أن ينزه عنه كلام النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه يدرك بالتجربة و المشاهدة، لا تتوقف معرفته على خبر الشرع.
و حمل كلام الشارع الحكيم على معنى جديد لا يعرف إلا من جهته أولى من حمله على تقرير معنى بالتجربة و المشاهدة.
الترجيح:
الذي يظهر لي و الله أعلم أن الراجح هو القول الأول، و هو أن جلد الخنزير لا يطهر بالدباغ، لقوة دليليه، وضعف استدلال القول الثاني.
المسألة الثالثة:
حكم الانتفاع بجلد الخنزير:
اتفق الأئمة الأربعة على تحريم الانتفاع بجلد الخنزير مطلقاً(29)، قبل الدباغ وبعده، و في المائع واليابس.
وذهب الشعبي(30)، و أبو يوسف (31)، وسحنون (32)،والظاهرية(33) إلى جواز الانتفاع بجلد الخنزير.
والخلاف في هذه المسألة مبني على الخلاف في تطهير الدباغ لجلد الخنزير.
والراجح هو القول الأول بناء على ترجيح القول بأن جلد الخنزير لا يطهر بالدباغ.
http://www.womanmessage.com